ترجمتي للقاء أجرته لوفيغارو مع فابريس بالانش نُشر بتاريخ 6 أيار/مايو 2025 – بقلم هوغ مايو.
مقابلة – عبر استضافتها الزعيم السوري في أول زيارة له إلى أوروبا، تُظهر فرنسا نوعاً من “السذاجة”، معتقدةً أنها ستجني “ثمار الوضع القائم”، بحسب تحليل فابريس بالانش.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو فيغارو: في أول زيارة له إلى أوروبا، سيُستقبل أحمد الشرع يوم الأربعاء في باريس من قبل إيمانويل ماكرون. ما هي رهانات هذا اللقاء بالنسبة له وللحكومة السورية الجديدة؟
فابريس بالانش: يأتي الشرع أولاً بحثاً عن شرعية دولية، فهو حتى الآن، استُقبل من قبل قادة عرب: ولي عهد السعودية، الرئيس التركي… بل إن أمير قطر نفسه جاء إلى دمشق. أما الآن، فهذه هي المرة الأولى التي يتوجه فيها إلى الغرب. الوضع مع الولايات المتحدة أكثر تعقيداً، لأن رأسه كان مطلوباً هناك حتى وقت قريب. لذا، يزور أوروبا، وهذا أفضل من لا شيء! بعد ذلك، يريد رفع العقوبات، وهو ما بدأ الأوروبيون فعلاً في القيام به. كما أنه يسعى للحصول على المال: فخلال مؤتمر المانحين في 17 مارس الماضي في بروكسل، تم بالفعل تقديم وعود بتبرعات تبلغ 6.5 مليارات يورو، منها ملياران من أوروبا.
لكن العقبة الأكبر بالنسبة للشرع تبقى الولايات المتحدة. فهي التي تملك مفتاح إعادة تأهيل سوريا فعلياً، بل وتأهيلها من الأساس أصلاً. طالما أن البلاد ما زالت محاصرة على مستوى نظام سويفت المالي، فإنها ستظل عاجزة عن جذب المستثمرين. حتى الدول العربية مثل قطر لن تخاطر بتقديم دعم كبير لهذا النظام الجديد إذا لم تحصل على الضوء الأخضر من الأميركيين.
لو فيغارو: بالمقابل، ما الفائدة التي تجنيها فرنسا من استقبال الزعيم السوري رسمياً؟
بالانش: هناك نوع من السباق في أوروبا بين فرنسا وألمانيا لمعرفة أي بلد سيكون الأسرع في إعادة العلاقات مع سوريا. الألمان أعادوا فتح سفارتهم في دمشق بالفعل، وبالتالي فقد سبقونا في هذا الجانب. في شهر شباط/فبراير، صرّح إيمانويل ماكرون بأنه يريد أن تكون فرنسا البلد الذي تمر عبره المساعدات الإنسانية والاقتصادية إلى سوريا على المستوى الأوروبي، مستنداً في ذلك إلى التاريخ المشترك بين فرنسا وسوريا، والانتداب الفرنسي، ودور فرنسا في شرق المتوسط. المنافسة مع ألمانيا شديدة على صعيد السياسة الخارجية الأوروبية. تريد فرنسا أن تظهر كشريك مميز لسوريا على المستوى الأوروبي. المشكلة أن ألمانيا هي من يسيطر فعلياً على المفاتيح المالية، وهي غير مستعدة لتمويل سوريا بالشروط الفرنسية. وهذا قد يجعل الأمر معقداً بعض الشيء بالنسبة لإيمانويل ماكرون.
كما تسعى فرنسا للحصول على حصص في السوق السورية، خاصة في سوق إعادة الإعمار، وتأمل أن تستفيد شركاتها في مجال البناء والأشغال العامة من ذلك. على سبيل المثال، وقعت شركة CMA CGM الأسبوع الماضي على تجديد عقدها لإدارة ميناء اللاذقية. وتَعِدُ الشركة باستثمار ما بين 200 و300 مليون يورو لتحديث الموانئ السورية. تمتلك CMA CGM نصف ميناء اللاذقية منذ عام 2009. ولا يجب أن ننسى أن عائلة سعادة هي من أصل سوري، حتى وإن كانوا قد انتقلوا في الثلاثينيات إلى لبنان، ثم جاؤوا إلى فرنسا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لكن لا تزال لديهم روابط قوية مع سوريا. على سبيل المثال، ابن عم رودولف سعادة استثمر في مزرعة كروم قرب اللاذقية. كما أن منزل العائلة ما يزال قائماً في هذه المدينة. في عهد بشار الأسد، شاركوا في تأسيس شركة قابضة لتحديث الاقتصاد السوري، وهم الآن يعيدون تمركزهم في السوق السورية.
لو فيغارو: إيمانويل ماكرون كان قد دعا الشرع إلى زيارة باريس منذ بداية شهر فبراير، بشرط أن يُشكّل “حكومة جامعة” وأن يُقدّم “ضمانات بشأن أمن البلاد”. هل تحقق ذلك؟
بالانش: لا، لم يتحقق ذلك. في حكومته الجديدة، عيّن الشارع وزيراً درزياً، وعلوياً، وكردياً، وامرأة مسيحية. الأوروبيون يكتفون بذلك، لكن هؤلاء الوزراء مجرد دمى جالسين على مقاعد هامشية. هذه ليست حكومة جامعة على الإطلاق. يجب أن نعلم أن الوزراء في سوريا، باستثناء وزيري الدفاع والداخلية، ليس لديهم أي سلطة. إنهم مجرد منفذين. السلطة الحقيقية بيد القصر الرئاسي. وقد كان الأمر كذلك دائماً، حتى في عهد بشار الأسد: الأوامر كانت تأتي من القصر ومن الأجهزة الأمنية، ولم يكن للوزراء أي دور فعلي. الآن، أضاف الشرع هيئة جديدة، وهي المجلس الديني، الذي يجب أن تمر عبره جميع القوانين والمراسيم كي تتم المصادقة عليها.
الأوروبيون يتظاهرون بالتفاؤل. إنهم يتقبلون هذه “التحسينات”. وهم ساذجون جداً تجاه هذا النظام الجديد.
علاوة على ذلك، فإن مجزرة العلويين في بداية مارس دليل على أن حقوق الأقليات، وأمنهم، وحقوق النساء، لا تُحترم كثيراً. وينطبق الأمر نفسه على الهجمات ضد الدروز الأسبوع الماضي. يقول لنا الدبلوماسيون الأوروبيون إن الوضع كان يمكن أن يكون أسوأ. وهذا صحيح! فالوضع يمكن دائماً أن يكون أسوأ.
لكن في الحقيقة، الأوروبيون يتظاهرون فقط. إنهم يرضون بهذه “التحسينات”. وهم ساذجون جداً تجاه هذا النظام الجديد، معتقدين أنه يتجه نحو الاعتدال من الأعلى. يقول البعض إن “هذا أفضل من ليبيا جديدة”. ربما، لكن ربما يوجد أيضاً سيناريو بديل عن ديكتاتورية إسلامية أو فوضى على غرار ما حدث في ليبيا. يبدو أن الأوروبيين لا يرون إلا حل الشرع وجمهوريته الإسلامية المركزية كوسيلة لتحقيق الاستقرار في البلاد. ومع ذلك، هناك أيضاً خيار لسوريا أكثر لا مركزية، أكثر فدرالية، والذي سيكون، في رأيي، السبيل الوحيد لضمان حقوق الأقليات وخلق سلطات مضادة. ربما يمتلك الجولاني حنكة سياسية. ربما سيتمكن من تجاوز حمضه النووي الجهادي. لكن ما من إجماع على ذلك…
لو فيغارو: فرنسا تستقبل الشرع في وقت حساس، بعد أسابيع فقط من مجزرة العلويين وفي ظل توترات مع الدروز. هل هذا التوقيت مناسب حقاً؟
بالانش: أتصوّر أن الزيارة كانت مُقرّرة منذ فترة طويلة، قبل حدوث المجازر. كان بإمكان فرنسا إلغاؤها، لكن هناك تلك المنافسة الأوروبية التي تحدّثنا عنها سابقاً. ثم إن حلفاء فرنسا كقطر، والسعودية، وتركيا، لا بد أنهم يدفعون باتجاه استقبال الشرع. ومن خلال هذه الزيارة، تأمل فرنسا أن تجني بعض المكاسب، وأن تحصل الشركات الفرنسية على موطئ قدم أفضل في سوريا، بالتذكير بأنها دعمت الثورة السورية منذ بدايتها.
نفس الأمر حدث في العراق، عندما التقى ماكرون برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مذكّراً أن فرنسا لم تصوّت لصالح غزو العراق عام 2003، على أمل الحصول على حصص في السوق العراقية. وحينذاك عاد من مؤتمر بغداد عام 2021 باتفاق لتطوير مطار الموصل، وبمشروع ضخم لصالح شركة توتال. لكن في النهاية، الأتراك هم من بنوا المطار، وتم تقليص حصة توتال بشكل كبير في العقد. ماكرون يأمل أن تُثمر هذه الأساليب في عقد صفقات اقتصادية، لكنها غالباً لا تنجح.
لو فيغارو: حين نستمع إليك، يبدو أن فرنسا تُشبه “الأحمق المفيد” في هذه القصة…
بالانش: سأقول بالأحرى إن فرنسا هي “الساذج المفيد”، الذي يعتقد أنه سيجني ثمار هذه المرحلة، وأن النظام السوري سيبدأ في التخلي عن تطرفه. هذه قراءة شديدة السطحية لتعقيد الوضع في سوريا والشرق الأوسط عموماً. لكن الأمر لا يُدهشني، ففي عامي 2011 و2012، كانت فرنسا تعتقد أن بشار الأسد سيسقط بسرعة…
لو فيغارو: منذ توليه السلطة، يحاول الشرع طمس ماضيه الجهادي وتقديم وجه جديد. لكن، هل تغيّر فعلاً؟ أم أن أوروبا تنخدع بالمظاهر؟
بالانش: الأوروبيون ينخدعون لأنهم يخلطون بين أحلامهم والواقع. إنهم يتمنّون بشدّة أن تستقر سوريا، حتى لا تحدث موجات هجرة جديدة، وحتى لا تتحوّل إلى ملاذ آمن للإرهابيين الذين قد يشنّون هجمات في أوروبا. ولهذا، يظنون أن مساعدته على تحقيق الاستقرار سيمنع تلك المخاطر. لكن برأيي، هم مخطئون. فالشرع يُظهر اليوم مؤشرات على “الاعتدال” فقط لأنه ضعيف ويحتاج إلى المال. لكن في اليوم الذي ستشتد فيه شوكته، سيُظهر وجهه الحقيقي من جديد، حتى تجاه الغرب. ففي الوقت الراهن، وعلى الورق، هو يوفّر ما يُطلب منه، لأنه يتلقى نصائح ممتازة من مستشارين إعلاميين غربيين، ومن الأتراك والقطريين الذين يشرحون له كيف يجب أن يتصرّف. الشرع براغماتي، لكن هذا لا يعني أنه معتدل. إنه رجل راديكالي، وحين يستتب له الحكم، سيبني الخلافة التي طالما حلم بها. هو فقط بحاجة إلى خمس سنوات لترسيخ سلطته، والحصول على الدعم اللازم لتحقيق ذلك، ومن ثَمَّ سينقلب على كل تلك الوعود. علينا ألا ننسى أنه رقّى في قيادته العسكرية جهاديين أمميين، وأنه يعتمد على مجموعات لاتزال في صفوف تنظيم القاعدة.