حوار أجراه أنطوان مونويزييه من منصة واتس أون السويسرية الفرنكوفونية نُشر بتاريخ 11.03.2025
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخبير في الشأن السوري، فابريس بالانش، يؤكد أن الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، يتحمّل جزءاً من المسؤولية في المجازر التي وقعت الأسبوع الفائت، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1000 مدني من أبناء الأقلية العلوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فابريس بالانش هو أستاذ محاضر في جامعة ليون الثانية. وهو مؤلف كتاب “دروس الأزمة السورية” (دار أوديل جاكوب، 2024). عاش في سوريا لمدة ست سنوات في تسعينيات القرن الماضي، وقد عاد إليها في شهر كانون الثاني/يناير، بعد شهر واحد من سقوط بشار الأسد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واتس أون: ما هو حصاد المجازر التي طالت المدنيين العلويين خلال الأيام الماضية؟
فابريس بالانش: بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل حوالي ألف مدني.

واتس أون: ما سبب هذه المجازر؟
بالانش: هناك من يتحدث عن تمرد علوي بدأ يوم الخميس 6 آذار/مارس، حيث وقعت عناصر من هيئة تحرير الشام – وهي الجماعة المتمردة التي استولت على الحكم في دمشق العام الماضي ويترأسها الرئيس المؤقت الحالي أحمد الشرع – في كمين. وكانتقام، اقتحمت عناصر من الهيئة جبال العلويين وارتكبت مجازر جماعية بشكل عشوائي ووحشي.

واتس أون: هل توافق على هذه الرواية؟
بالانش: لا، لدي شكوك. ففي ليلة الاثنين 3 إلى الثلاثاء 4 آذار، وقع حادث في حي الدعتور بمدينة اللاذقية، قُتل خلاله عنصران من قوى الأمن التابعة للنظام الجديد. من الذي قتلهم؟ لا أحد يعلم. لكن في اليوم التالي، أي في الرابع من آذار، قامت هيئة تحرير الشام بتطويق الحي واستخدمت الأسلحة الثقيلة. وقد سمعتُ دوي الانفجارات خلال مكالمات هاتفية كنت أجريها مع أشخاص من داخل الحي آنذاك.
في مقاطع الفيديو، نرى أرتالاً من شاحنات صغيرة تطلق النار على المنازل بينما يصرخ المسلحون ” يا كلاب”، “يا خنازير” و”الله أكبر”
دخل عناصر هيئة تحرير الشام إلى المنازل وقتلوا من فيها. رسمياً، قيل إن الضحايا كانوا من “الأسديين”، أي من الموالين للرئيس السابق بشار الأسد. وقد شوهدت شاحنات تغادر الحي محملة بجثث في صناديقها الخلفية.

واتس أون: ما هو الوضع الحالي في حي الدعتور؟
بالانش: أعتقد أن الحي ما يزال محاصراً، ويوجد حظر تجول مفروض على مدينة اللاذقية حتى يوم السبت.

واتس أون: وماذا حدث بعد الرابع من آذار؟
بالانش: في اليوم التالي، أي الخامس من آذار، هاجم مقاتلو هيئة تحرير الشام قرية علوية تُدعى “الدالية” تقع في الجبال على ارتفاع 1000 متر شرق مدينة بانياس. وتُعتبر هذه القرية مركزاً روحياً مهماً للطائفة العلوية، حيث تضم مئات الأضرحة لشيوخ الطائفة. وهي ليست مكاناً يختبئ فيه ضباط النظام السابق الذين يجري تعقبهم. هناك قرى علوية أخرى خرج منها مجموعات من الضباط الذين خدموا في جيش الأسد وأجهزته الأمنية.
في السادس من آذار، ومع اقتراب مجموعات من الجهاديين من جبال العلويين المحاذية للشريط الساحلي، بدأ السكان العلويون الدفاع عن أنفسهم بإطلاق النار، وهو ما اعتبره النظام الجديد “كمائن” استدعت الرد.

واتس أون: الرئيس المؤقت أحمد الشرع اعترف بوقوع مجازر ضد المدنيين العلويين، وأعلن تشكيل لجنة تحقيق لملاحقة القتلة.
بالانش: نعم، اعترف بوقوع مجازر، لكنه أنكر أن تكون قد ارتُكبت على يد القوى الأمنية التابعة له مبدئياً. بل أشار إلى جماعات “خارجة عن السيطرة”. لكن برأيي، لا يمكن فهم هذه الأحداث التراجيدية بهذه البساطة.

واتس أون: كيف تقرأ ما حصل؟
بالانش: ربما لم تشارك قوى الأمن التابعة لهيئة تحرير الشام بشكل مباشر في عمليات القتل – على الأقل لا يمكن التأكد من ذلك لأن المنفذين كانوا ملثمين. بكل الأحوال، قوى أمن هيئة تحرير الشام دعت جماعات أخرى لإنجاز المهمة بدلاً منها. يمكن تشبيه ما حدث بمجزرة الأرمن في أضنة عام 1909، حيث رسمياً، لم تكن القوات العثمانية هي من ارتكب تلك المجازر، بل ميليشيات موالية. وكذلك لم تكن القوات الإسرائيلية هي من قام بمجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، التي ارتكبتها القوات اللبنانية. ما فعلته القوات الإسرائيلية أنداك هو فقط فتح مداخل المخيم لهم، مع علمها بما كان سيحصل.

واتس أون: اليوم في سوريا من هي هذه الجماعات الأخرى المتورطة في مجازر المدنيين العلويين؟
بالانش: هي جماعات جهادية تضم مقاتلين من جنسيات مختلفة مثل الشيشان، التركمان وجنسيات أخرى أيضاً.

واتس أون: هذه الجماعات الخارجة عن السيطرة يصعب على النظام الجديد ضبطها، والمهمة ليست سهلة حتى بالنسبة لأحمد الشرع.
بالانش: هذه الجماعات التي يُقال إنها (خارجة عن السيطرة) هي في الحقيقة تشكّل العمود الفقري للنظام الجديد، مهمتهم هي نشر الذعر، وهم مرتبطون بهيئة تحرير الشام. هم جماعات مخضرمة يستخدمها أحمد الشرع لإخضاع الفصائل الأخرى، وسبق أن قاتلت إلى جانبه عندما كان أميراً لإدلب في العقد الماضي تحت اسم “الجولاني”.

واتس أون: لكن يبدو أن الشرع اليوم يحقق تقدماً في استراتيجيته لتوحيد سوريا، فقد وقع اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في العاشر من مارس، يقضي بإدماج هيئات الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا في الدولة.
بالانش: هو عبارة عن تفاهم مبدئي، رمزي الصبغة، فحتى الآن لا شيء تغير على أرض الواقع. في أفضل الأحوال سيكون هنالك تنسيق بينهما فيما يتعلق بمحاربة داعش. الأميركيون هم من دفع الأكراد لتوقيع هذا الاتفاق مع السلطة الجديدة في دمشق. من جانبه، دُفع أحمد الشرع من قبل كل من الأميركيين والأتراك إلى هذه التسوية. لكن قسد لن تحل نفسها ولن تنضم إلى الجيش السوري الجديد.
قد يضعون العلم السوري في خلفية المؤتمرات الصحفية، وسيسمحون للإدارة المدنية التابعة للسلطة الجديدة – إن وُجدت – بالمجيء إلى الرقة فيما يخص شؤون الأحوال المدنية والتعليم، هذا كل شيء.

واتس أون: من بقي خارج هذا التوافق مع النظام الجديد؟
بالانش: مثلاً، الفصائل السنية في درعا جنوباً بقيادة أحمد العودة، الممول من الإمارات العربية المتحدة، وليس لديه أية نية للانضمام للجيش السوري الجديد. هذه الفصائل تعلم أن تسليم سلاحها يعني تصفيتها في غضون ثلاثة أشهر.

واتس أون: لكنهم سنّة، مثل هيئة تحرير الشام، فلماذا يتم قتلهم؟
بالانش: لأن الشرع اعتمد نفس النهج عندما كان يسيطر على إدلب: استولى على المدينة بالقضاء على الفصائل المنافسة واحدة تلو الأخرى.

واتس أون: ولكنه لم يعد الآن أميراً على إدلب. فهو رئيس مؤقت لكل السوريين، وفوق ذلك، فهو خاضع لرقابة الولايات المتحدة وتركيا. لم يعد زعيم حرب.
بالانش: المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين العلويين تُظهر أن موقعه الجديد لم يغير الكثير في سلوك الجماعات التابعة له.

واتس أون: وماذا عن العقوبات الدولية؟
بالانش: بعض الدول بدأت برفع القيود عن التحويلات المالية. الأوروبيون يتحركون في هذا الاتجاه. وقد دُعي أحمد الشرع لحضور مؤتمر حول سوريا في بروكسل بتاريخ 17 آذار. وكان ماكرون قد دعاه إلى مؤتمر حول سوريا في فرنسا في شباط، لكنه لم يحضر.

واتس أون: هل بالإمكان تشبيه ما جرى من انتهاكات خلال الأسبوع الماضي بلحظة من “التطهير” بعد فترات من الفوضى، كما حدث في فرنسا مع نهاية الحرب العالمية الثانية؟ فقد حصلت آلاف الإعدامات خارج نطاق القضاء.
بالانش: في الواقع، نعم يمكن التفكير بهذه الإحالة فيما يتعلق بِخَدَم نظام بشار الأسد، كما حدث في فرنسا تجاه أعضاء سابقين في ميليشيا حكومة فيشي، لكن تلك كانت عملية تطهير سياسي. في سوريا اليوم، قد نشهد هذه الظاهرة أيضاً لكن المحيطين ببشار الأسد لم يكونوا من العلويين فقط، بل كان بينهم أيضاً سنّة، حتى أن السنة كانوا أغلبية. ومع ذلك، لم نشهد انتهاكات مماثلة لتلك التي وقعت الأسبوع الماضي في المناطق السنية.

واتس أون: ما الذي تريد قوله من ذلك؟
بالانش: هناك كراهية دينية تجاه العلويين. فهم طائفة شيعية غير أرثوذكسية، تمزج بين الإسلام والمسيحية والزردشتية، نشأت في القرن العاشر أو الحادي عشر، وانتشرت في سوريا مثل ما انتشرت الاسماعيلية والدرزية وتعرضت دائماً للاضطهاد. هذا لا يبرر الانتهاكات التي ارتُكبت باسمهم في عهد الأسد، لكن يُخشى أن يجعلَهم وضعُهم كأقلية عرضة للاستهداف باستمرار، خاصة من الجماعات الجهادية التي تعتبرهم “كفاراً”.

 

 

 

***