زعزعت مجازر عام ٢٠٢٥ ضد العلويين والدروز والمسيحيين ثقة الأقليات بالنظام السوري الجديد. ورغم إنكاره، يُكافح أحمد الشرع لفصل سلطته عن الفظائع التي ارتكبتها هيئة تحرير الشام. سوريا، المحاصرة بين الانتقام الطائفي والكراهية الاجتماعية والخوف من الانهيار، تعود إلى دوامة الإقصاء والنزوح الذي لا رجعة فيه.

مقالة نشرت في مجلة Conflits بتاريخ 25 أكتوبر 2025

بقلم فاريس بالانش

لقد زعزعت مجازر مارس/آذار ضد العلويين[1]، وتلك التي وقعت في مايو/أيار ويوليو/تموز ضد الدروز[2] ثقة الأقليات بالحكومة الجديدة. ويرفض الأكراد الآن فكرة نزع السلاح والاندماج دون ضمانات جدية، خوفاً من أن يواجهوا المصير نفسه.

 

اضطهاد العلويين

يدّعي أحمد الشرع عدم مسؤوليته عن هذه المجازر، وهو ادعاءٌ دحضته مقالاتٌ صحفيةٌ مختلفة[3] وتقارير[4]. وتؤكد الشهادات التي جُمعت خلال زيارتي الأخيرة إلى سوريا في سبتمبر/أيلول 2025 تورط هيئة تحرير الشام. على سبيل المثال، في حمص، منعت الشرطة قوات الأمن من دخول الأحياء العلوية، ووجّهتها نحو المنطقة الساحلية. وكان الهدف الوصول إلى معاقل العلويين لمنع أي محاولة تمرد، من خلال إثارة احتمال اندلاع انتفاضة علوية يُدبّرها أعضاء النظام السابق.

في مطلع مارس/آذار، قُتل بالفعل أفراد من قوات الأمن في اللاذقية وقرب جبلة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الوفيات مرتبطة بأعمال فردية أكثر منها بتمرد حقيقي.

أسفر الأسبوع الدامي (4-9 مارس/آذار 2025) عن مقتل 1400 شخص وفقاً لمصادر رسمية، إلا أن هذا العدد يُعتبر أقل من الواقع بكثير. أخبرني أحد معارفي، يعمل في الهلال الأحمر، أن 800 شخص لقوا حتفهم في حي القصور بمدينة بانياس، بينما لا يعترف النظام إلا بـ 300. وسرعان ما حل الدفاع المدني، المتمثل في الخوذ البيضاء، وهي منظمة غير حكومية برزت إلى جانب الثوار خلال الحرب، محل الهلال الأحمر، الذي طُرد ببساطة من المنطقة، مما سمح للمنظمة الموالية للحكومة بالتقليل من شأن المجزرة، وفقًا لمصادري.[5] ولم تُفرض أي عقوبات على المسؤولين عن المجزرة.

منذ مارس/آذار الماضي، لم يمر يوم دون الإبلاغ عن اغتيال أو اختفاء علوي. يعيش الشباب في رعب ويتوقون لمغادرة البلاد. تُختطف النساء ويُجبرن على الزواج من الجهاديين، مدعين أنهن اخترن الانضمام إلى أزواجهن المختارين بحرية عندما يظهرن مرتديات النقاب. تلتزم العائلات الصمت خوفاً من العار، وقبل كل شيء، خوفاً من الانتقام.[6] ويتفاقم هذا الوضع بسبب عمليات التسريح العديدة في الخدمة المدنية والجيش، والتي تؤثر بشكل شبه حصري على أفراد الطائفة العلوية. ونتيجة لذلك، يُترك مئات الآلاف من السوريين بدون موارد.

ويعيش الدروز وضعاً مشابهاً منذ مايو/أيار 2025، حين شُنّ هجوم على مناطقهم في ضواحي دمشق، قُتل خلاله نحو مئة شخص. ولم يؤدِّ الهجوم على جبل الدروز في يوليو/تموز إلا إلى تعميق عدم ثقتهم بالنظام الجديد. وهم الآن يفضلون المنفى أو الانفصال، كما ي

دعو إلى ذلك الشيخ الدرزي حكمت الهجري.[7]

La répartition des communautés avant-guerre en Syrie, Fabrice Balanche

communautés avant-guerre en Syrie, Fabrice Balanche

المسيحيون السوريون في طريقهم إلى الاختفاء

المسيحيون، المشتتون بشدة والمُضعَفون بسبب الهجرة المكثفة خلال الصراع، لا يملكون سوى مساحة محدودة من الأراضي التي تحميهم. وقد انخفض عددهم بشكل ملحوظ منذ عام ٢٠١١، من ١.٢ مليون (٥٪ من السكان) إلى أقل من ٣٠٠ ألف (١.٥٪ من السكان).

مع معدل أعمار مرتفع، أصبح من المستحيل الآن تجديد نسل تلك الجماعات. اختار رجال الدين (المسيحيون) الخضوع للسلطات الجديدة للحفاظ على ما تبقى. لكن المسيحيين يخشون أن يكونوا الضحايا التالين للنظام. في يونيو/حزيران 2025، أودى تفجير انتحاري في كنيسة بضاحية مار إلياس بدمشق بحياة 20 شخصاً. لم يُشهد هذا النوع من الهجمات منذ مذبحة المسيحيين السوريين عام 1860. وقد ترك صدمة عميقة في نفوس الطائفة وأدى إلى مزيد من النزوح.

يتعرض المسيحيون أيضاً للقتل أو سوء المعاملة بسبب دينهم. في أواخر سبتمبر/أيلول، قُتل شابان بالرصاص في وادي النصارى غرب حمص.[8] وفي القصير، يتهمهم اللاجئون السنة العائدون بالمشاركة في تهجيرهم من المدينة إلى جانب حزب الله. ويُجبرونهم على المغادرة للاستيلاء على ممتلكاتهم.

دفعت بلدة محردة المسيحية، المعزولة في منطقة سنية، أموالاً لبلدات مجاورة لتجنب تحقيق الأخيرة رغبتها في الانتقام. واضطر السكان إلى الموافقة على تدمير النصب التذكاري في المقبرة، الذي يحمل أسماء 200 مدني قُتلوا بالصواريخ التي أُطلقت من القرى المجاورة خلال الصراع[9].

في الأحياء المسيحية بمختلف المدن، أصبح من المستحيل الآن تجنب سماع الأذان، إذ نصبت السلطات الجديدة مكبرات صوت قوية لبث الأذان من المساجد القريبة. في ظل هذه الظروف، ستستمر الهجرة حتى اختفاء الطوائف المسيحية في سوريا تماماً.

يأمل من بقوا اليوم أن ترتفع أسعار العقارات ليتمكنوا من بيع ممتلكاتهم بسعر عادل والرحيل للانضمام إلى أبنائهم وأحفادهم في الخارج، فيما ستندثر آخر الجماعات المسيحية في سوريا بشكل طبيعي.

 

الانتقام المجتمعي والانتقام الطبقي كعوامل لانعدام الأمن

إن جرائم القتل والخطف والابتزاز والسرقة هي مشاكل تؤثر على الجميع، دون تمييز بين المجموعات، ولكن الأقليات هي الأكثر عرضة للخطر بسبب انتشار الكراهية الدينية وللومها بسبب تعاونها مع النظام القديم.

يستولي أنصار أحمد الشرع على المنازل، سواءً أكانت شاغرة أم مأهولة، دون أي عقاب. يكفي مجرد اتهام المالك بأنه “فلول” (عميل للنظام السابق) لإخلائه. وإذا اشتكى المتضرر للسلطات، فإنه يُعرّض نفسه لخطر السجن والعنف.[10] في الواقع، لا يتردد الزعماء المحليون، المعروفون بـ”الشيوخ”، في إساءة معاملة المشتكين، حتى لو كانوا من السنة. فلأنهم بقوا تحت سيطرة الأسد بدلاً من الفرار إلى إدلب أو إلى الخارج، يُعتَبرون متعاونين (مع النظام السابق).

يُستهدف الوافدون الجدد، الذين غالباً ما ينحدرون من خلفيات ريفية وطبقات اجتماعية متواضعة، أبناء الطبقات الحضرية العليا بشكل خاص. إلى جانب الانتقام الطائفي، هناك أيضاً انتقام طبقي. وقد تجلى هذا بوضوح في بداية الأزمة، حيث نهب المتمردون المناطق الصناعية والتجارية، لا سيما في حلب. واليوم، يواجه أحمد الشرع، وهو نفسه من الطبقة المتوسطة الدنيا في دمشق، استياءً من قاعدته الشعبية التي تنتقده لتساهله مع الأثرياء، الذين يعتبرونهم متواطئين مع النظام السابق.

صحيحٌ أن إعادة تأهيل محمد حمشو، أحد رموز الأوليغارشية الموالية للأسد، قد يكون مفاجئاً. فرغم أنه عرض على أحمد الشرع ثروةً طائلةً مقابل العفو، إلا أن هذا يُرسل رسالةً سلبيةً إلى السكان. فقد دمّر رجل الأعمال هذا، بفضل ارتباطه بماهر الأسد[11]، عشرات الآلاف من المنازل في الأحياء النائية المُدمرة للاستيلاء على خردة المعادن، التي كان يُعالجها في مصانعه. وهذا يُعطي انطباعاً مؤسفاً بأنه رغم تغير القادة، إلا أن النظام نفسه ظلّ على حاله.

 

[1] فابريس بالانش، “جغرافية مذبحة العلويين”، كونفليتس، 24 مارس/آذار 2025. https://www.revueconflits.com/geographie-du-massacre-des-alaouites/

[2] فيليب دروز-فنسنت، “العنف الطائفي في سوريا ومستقبل المرحلة الانتقالية”، ذا كونفرسيشن، 30 يوليو/تموز 2025. https://theconversation.com/les-violences-inter-communautaires-en-syrie-et-lavenir-de-la-transition-261892

[3] ماغي مايكل، “القوات السورية تقتل 1500 علوي. سلسلة القيادة تقود إلى دمشق”، رويترز، 30 يونيو/حزيران 2025. https://www.reuters.com/investigations/syrian-forces-massacred-1500-alawites-chain-command-led-damascus-2025-06-30/

[4] الأمم المتحدة، “سوريا: محققو حقوق الإنسان: العنف في المناطق العلوية قد يرقى إلى جرائم حرب”، 14 أغسطس/آب 2025، https://news.un.org/en/story/2025/08/1165649

[5] مقابلات في سوريا، سبتمبر/أيلول 2025.

[6] منظمة العفو الدولية، “سوريا: على السلطات التحقيق في اختطاف النساء والفتيات العلويات”، 28 يوليو/تموز 2025، https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2025/07/syria-authorities-must-investigate-abductions-of-alawite-women-and-girls/

[7] صحيفة لوريان لو جور، “الشيخ الهجري يدعو إلى “إقليم درزيّ منفصل” في جنوب سوريا”، 25 أغسطس/آب 2025. https://www.lorientlejour.com/article/1474871/le-cheikh-hijri-reclame-une-region-druze-separee-dans-le-sud-de-la-syrie.html

[8] صحيفة لوريان لو جور، “عودة الهدوء بعد إطلاق نار مميت في منطقة وادي النصارى المسيحية”، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025. https://www.lorientlejour.com/article/1479472/retour-au-calme-apres-une-fusillade-meurtriere-dans-la-region-chretienne-de-wadi-el-nasara.html

[9] مقابلة شخصية في حمص، سبتمبر/أيلول 2025.

[10] جمعتُ عدة شهادات في دمشق وحلب واللاذقية وحمص خلال إقامتي في سبتمبر/أيلول 2025 حول نهب المنازل.

[11] ماهر الأسد هو شقيق الرئيس السوري السابق. كان قائد الفرقة الرابعة سيئة السمعة، المعروفة بالابتزاز والنهب أكثر من إنجازاتها العسكرية.

ترجمه إلى العربية أسامة حرفوش

رابط المقال بالفرنسية