الوقائع – أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، أنه يسعى لتجنب “حرب مفتوحة” مع إسرائيل، ولذلك أمر يوم الخميس بسحب قواته من مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وكانت إسرائيل قد هددت بتكثيف ضرباتها في حال لم تنسحب القوات السورية من هذه المحافظة الواقعة جنوب سوريا. وأسفرت أعمال العنف الطائفية عن مقتل أكثر من 370 شخصاً منذ اندلاع الاشتباكات يوم الأحد، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فابريس بالانش، جغرافي وخبير في الشأن السوري، وقد خصّص لهذا البلد مؤخراً كتاباً مرجعياً بعنوان «دروس الأزمة السورية» (منشورات دار أوديل جاكوب، 2024). يحلل جذور الأزمة التي أودت بحياة 370 شخصاً منذ يوم الأحد.

حوار نُشر في 17 تموز 2025 في صحيفة لوبينيون، بقلم: جان دومينيك ميرشيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لوبينيون: منذ 13 تموز، تدور مواجهات عنيفة ذات طابع طائفي في جنوب سوريا، مع تورط مباشر لإسرائيل الآن. وقد قُتل نحو 370 شخصاً حتى الآن. كيف يمكن فهم خلفيات تصاعد هذا العنف المفاجئ في جنوب سوريا؟

فابريس بالانش: منذ القرن الرابع عشر، شكّل جبل الدروز ملاذاً آمناً لطائفة الدروز، وهي أقلية دينية يعتبرها بعض السنة فرقة خارجة عن الإسلام. ويُطابق هذا الجبل – المعروف إدارياً بمحافظة السويداء – مساحة تقارب مساحة محافظة فرنسية. إنه جبل صغير من البازلت، لا يتجاوز ارتفاعه 1500 متر، ويُشرف على سهل حوران ذي الغالبية السنية. يتميّز الجانب الغربي من الجبل بوفرة الأمطار، ما ساهم في ازدهار الزراعة، وخصوصاً زراعة التفاح. أما في الشمال والشرق، فقد شهدت المناطق توتراً مزمناً بين الدروز والبدو الرحل القادمين من البادية خلال مواسم التنقّل الموسمية. وقد استقرّ قسم من هؤلاء البدو لاحقاً، ويسكنون اليوم في أحد أحياء مدينة السويداء الرئيسية. أما الشرارة الأخيرة للمواجهات، فقد أشعلها مقتل تاجر درزي على يد بعض البدو الذين كانوا يفرضون عليه إتاوات، وذلك على الطريق السريع بين السويداء ودمشق. استغلّ نظام أحمد الشرع هذه الحادثة ذريعةً لمحاولة استعادة السيطرة على جبل الدروز، ما أدى إلى رد فعل إسرائيلي مباشر.

لوبينيون: من هم الدروز؟ وكم يبلغ عددهم؟

فابريس بالانش: لم يُعترف بالدروز كمسلمين إلا بعد صدور فتوى في عام 1932 عن مفتي القدس الأكبر الحاج أمين الحسيني. الديانة الدرزية هي عقيدة توفيقية (مزجية) مغلقة جداً على جماعتها، ويصنّفها البعض كفرع من فروع التشيّع. لا ترتدي النساء الدرزيات الحجاب، ولا يُسمح لهن بالزواج من غير الدروز. في منطقة الشرق الأوسط، يتوزع الدروز بين سوريا ولبنان وإسرائيل. ويُقدّر عددهم الإجمالي بأقل من مليون نسمة: في سوريا، يتراوح عددهم بين 500 و600 ألف، يتمركز معظمهم في محافظة السويداء جنوب البلاد، بالإضافة إلى ثلاث مدن قريبة من دمشق: جرمانا، صحنايا وجديدة عرطوز. وهناك حركة تنقّل دائمة بين هذه المدن والجبل، تفصل بينها مسافة نحو ساعتين بالسيارة. يشكّل الدروز في سوريا أقل من 3% من السكان، ويُعزى ذلك جزئياً إلى انخفاض معدل الخصوبة لديهم (طفلان أو ثلاثة لكل امرأة)، مقارنةً بجيرانهم من العائلات السنية التي تسجّل معدلات إنجاب تصل إلى سبعة أو ثمانية أطفال. في لبنان، يُقدّر عددهم بنحو 200 ألف شخص، أي حوالي 5% من عدد السكان. في إسرائيل، يبلغ عددهم نحو 150 ألفاً، ويتركزون في الجليل، وحيفا، وشمال الجولان. على هضبة الجولان، التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ثم ضمّتها عام 1981، رفض الدروز طويلاً الحصول على الجنسية الإسرائيلية، لكن هذا الموقف تغيّر تدريجياً منذ عقد 2010، خصوصاً بين الشباب. في إسرائيل، يخدم الدروز في الجيش الإلزامي، ويحظون بتقدير كبير داخل المؤسسة العسكرية، إذ وصل بعضهم إلى رتب عالية، من بينهم قائد الإدارة العسكرية في الضفة الغربية. ويوجد اليوم لوبي درزي فعّال في إسرائيل، له تأثير حقيقي على حكومة نتنياهو… وذلك في وقت ترفض فيه الجماعات اليهودية الحريدية أداء الخدمة العسكرية.

لوبينيون: ما هي سياسة إسرائيل في الأزمة الأخيرة، خاصة بعد الضربات التي طالت العاصمة دمشق يوم الأربعاء؟

فابريس بالانش: نظراً لخلفيته الجهادية السابقة في تنظيم القاعدة، لا يثق الإسرائيليون إطلاقاً بأحمد الشرع، الذي تولى الحكم في ديسمبر بعد سقوط نظام بشار الأسد. حيث يسعون إلى الاحتفاظ بأوراق ضغط ملموسة تمكّنهم من التأثير عليه، وتندرج الأقليات، سواء الدروز في الجنوب أو الأكراد في الشمال، ضمن هذه الأدوات الاستراتيجية. بالنسبة لإسرائيل، تكمن القضية المحورية في مصير الجولان. فبعد سقوط الأسد، احتلّ الجيش الإسرائيلي 400 كيلومتر مربع إضافي من الأراضي السورية. وتخشى إسرائيل أن يُقدم الشرع، وهو ابن المنطقة، على المطالبة باستعادة هذا الجزء من الأراضي التي خسرتها سوريا عام 1967. لذا، تسعى إسرائيل إلى فرض واقع أمني جديد في الجنوب السوري، يقوم على نزع السلاح لمنع انتشار قوات النظام هناك. فتل أبيب لا ترغب في وجود نظام سوري إسلامي مركزي على حدودها، وتُفضّل بديلاً على شكل نظام فيدرالي.

لوبينيون: ما هي علاقة الدروز بنظام بشار الأسد؟

فابريس بالانش: مثل العلويين في شمال غرب سوريا، والمسيحيين، رأى الدروز في البداية في النظام البعثي حماية من الأغلبية السنية التي كانت تهددهم. لكنهم سرعان ما تعرضوا لـ تهميش من قبل العلويين، ولم يستعيدوا مكانتهم إلا في تسعينيات القرن الماضي. خلال تلك الفترة، شهدت الطائفة هجرة كبيرة، خاصة نحو فنزويلا، حيث يمكن ملاحظة العديد من الفيلات ذات الطراز اللاتيني الأمريكي في المدن والقرى الدرزية بسوريا. هؤلاء المغتربون ساهموا أيضاً في تطوير الاقتصاد المحلي، عبر إنشاء صناعات صغيرة مثل إنتاج عصير الفواكه. مع اندلاع الحرب الأهلية في 2011، انضمّ الدروز إلى المعارضة، لكنهم سرعان ما تعرضوا لـ تهديدات من المتمردين السنة الذين كانوا يرغبون في الاستيلاء على أراضيهم. لذلك، عادوا للالتحاق بالنظام، الذي، وعجزاً عن حمايتهم، سمح لهم بتنظيم أنفسهم ضمن ميليشيات دفاع ذاتي مسلحة تحت قيادة شيوخ العشائر. في 2015، انشق جزء منهم وانضم إلى المتمردين بقيادة الشيخ بلعوس، الذي اغتيل لاحقاً، فيما لا يزال ابنه ليث يقود مجموعة مسلحة. لذلك، ظل الدروز منقسمين، لكن مع تصاعد العنف في الأيام الأخيرة، بدا أنهم توحّدوا من جديد. في ديسمبر الماضي، أثناء سقوط نظام الأسد، شارك الدروز في الهجوم على دمشق، وكان هدفهم الأساسي حماية المدن الثلاث الدرزية في ضواحي الجنوب. وفي شباط وأيار، واجهوا قوات مؤيدة للنظام الجديد، حيث تدخلت إسرائيل لدعمهم.

لوبينيون: معظم الفرنسيين لا يعرفون أن جبل الدروز كان يوماً مسرحاً لحرب قادتها فرنسا…

فابريس بالانش: في الواقع، بعد الحرب العالمية الأولى، مُنحت فرنسا الانتداب على لبنان وسوريا. وفي عام 1921، أنشأت فرنسا دولة جبل الدروز التي استمرت حتى عام 1936. في عامي 1925 و1926، قمعت القوات الفرنسية بعنف ثورة في هذه المنطقة، قادها الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش، الذي كان يعارض الإصلاحات الإدارية، خصوصاً الزراعية، التي فرضتها فرنسا. وكان الصحفي والكاتب جوزيف كيسيل شاهداً على هذه الأحداث، وقد نشر كتاباً بعنوان “في سوريا” ضمن سلسلة “فوليو” للنشر، لا يزال يُقرأ حتى اليوم باهتمام بالغ.

ترجمه إلى العربية أسامة حرفوش