يعتبر الخامس عشر من آذار 2011 ذكرى انطلاق الثورة السورية. في ذاك اليوم، تظاهر حوالي خمسين شخصاً بشكل سلمي أمام مكتب المحافظ في درعا. وفي يوم الجمعة المصادف للثامن عشر من آذار للعام نفسه، خرجت تظاهرة كبيرة أمام المسجد، ولكنها أسفرت هذه المرة عن مقتل شخصين. وحضر الجنازة آلاف الأشخاص وكان ذلك بداية لخروج سلسلة من التظاهرات الصامتة واشتباكات بين سكان درعا والنظام السوري. وانتشرت تلك الثورة في جميع أنحاء سوريا. وخرج الملايين من السوريين إلى الشوارع للمطالبة بتغيير الحكومة، تماماً كما حدث في تونس ومصر، ولكن لم تشبه بمظاهرات هذين البلدين نتيجة الأسلمة السريعة لتلك الثورة التي أثارت خوف الأقليات.

كيف يمكن أن نقيم الثورة بعد ثلاثة عشر عام؟ على الصعيد الإنساني، شهدنا وفاة 350,000 شخصاً وفقاً لإحصائية الأمم المتحدة، وهجرة ثمانية ملايين شخص خارج البلاد، ونزوح ستة ملايين شخص داخل سوريا من إجمالي 26 مليون سوري في عام 2024.

اليوم تنقسم سوريا إلى أربع كيانات رئيسية: النظام الذي يسيطر على ثلثي البلاد الذب يحوي حوالي 11 مليون نسمة من أصل 18 مليون نسمة يعيشون في سوريا. وأنشأت هيئة تحرير الشام (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) إمارة إسلامية في إدلب، حيث يعيش 2.5 مليون سوري ضمن مساحة 3,000 كيلومتر مربع. ويستغل هذا التنظيم الإرهابي المساعدات الدولية والحماية التركية لفرض نظامه الشمولي الإسلامي. وتحتل تركيا قطاعاً من الأراضي في شمال سوريا، وقامت فيما بعد بطرد السكان الكرد والسيطرة على السكان المتبقين البالغ عددهم 1.5 مليون شخص الذين يعيشون تحت نيران الميليشيات المعارضة السابقة بما في ذلك عناصر داعش الذين تجمعوا تحت مسمى الجيش الوطني السوري.

وأخيراً، هناك الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حيث يعيش 3 ملايين شخص تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. ويجب ألا ننسى القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة في التنف في جنوب شرق الصحراء السورية.

ولم تتحرك الجبهات منذ آذار من عام 2020، تاريخ آخر هجوم للنظام على إدلب، ويبدو أن تقسيم البلاد مستمر. ومع ذلك، إنه نزاع مجمد لأن النظام مصر على استعادة الأراضي بأكملها.

ولتحقيق ذلك، يحتاج النظام إلى موافقة روسيا وإيران اللتان تزودانه بالموارد العسكرية للتفاوض مع تركيا والحصول على دعم لمغادرة القوات الأمريكية من مناطق الإدارة الذاتية. هؤلاء الفاعلين الدوليين الأربعة هم المسيطرون في الوقت الحالي ويدافعون عن مصالحهم الخاصة.

وليس لدى الوكلاء المحليين الوسائل أو الإذن لشن عمليات على نطاق واسع بمفردهم. وبالتأكيد، يسعى أبو محمد الجولاني  في ادلب في شن غزو ما، لذلك شن هجوماً ضد الميليشيات الموالية لتركيا في عفرين، وسعى إلى الاستيلاء على منبج في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2023. في ذلك الوقت، كان قد حصل على موافقة من تركيا لشن هجماته، ولكن الضربات الروسية منعته من فعل ذلك.

ومنذ الحرب الأوكرانية، تتجنب روسيا تركيا لأنها تحتاج إلى حيادها الإيجابي. وهذا يعني أن النظام السوري ليس لديه الحق في شن هجوم على إدلب والمناطق الواقعة تحت السيطرة التركية. كما أن الولايات المتحدة لا ترغب في إزعاج الأتراك لأنها تحتاج إلى تعاونهم الإيجابي ضمن حلف الناتو، كما رأينا في الابتزاز الذي مارسه أردوغان ضد انضمام السويد وفنلندا إلى ذاك الحلف.

وهذا يفسر للأسف لماذا تسمح واشنطن لأنقرة بتدمير بنية الإدارة الذاتية وضرب قوات سوريا الديمقراطية بطائراتها المسيرة.

لكن أخطر تهديد للإدارة الذاتية الآن يتمثل في إيران التي كانت تزعج القوات الأمريكية في سوريا والعراق انتقاماً للدعم الأمريكي لإسرائيل منذ بداية الحرب في غزة.

انتهت الغارات الأميركية في العراق على الميليشيات الشيعية بدفع الحكومة العراقية وبتأثير من طهران للمطالبة بإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد داعش. ويجري حالياً التفاوض على اتفاق عسكري ثنائي بين واشنطن وبغداد، ولكن نجاح ذلك غير مؤكد خاصة في ظل قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على وجود قوي في العراق، مما سيشكل أيضاً تساؤلاً عن وجود القوات الأميركية في شمال شرق سوريا.

في شهر أيار/مايو من عام 2023، تمت إعادة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية. وهذا يعني أنه ليس لديه بعد الآن ما يخشاه من المملكة العربية السعودية وقطر اللتان دعمتا الثورة السورية بشكل كبير في الماضي. وفي آذار/مارس من عام 2023، أبرمت السعودية وإيران اتفاقاً دبلوماسياً برعاية الصين بهدف تقليل التوترات بين البلدين.

وتمنع إيران الحوثيين من إطلاق الصواريخ ضد المملكة العربية السعودية، بالمقابل تتخلى الأخيرة عن لبنان وسوريا والعراق لصالح إيران، ولن تدعم الطائفة السنية هناك بعد الآن.

هذا هو ملخص الاتفاق الذي تم إبرامه. ومع ذلك، تقدم الرياض الحد الأدنى من الدعم لدمشق، وترفض استثمار مليارات الدولارات لإعادة إعمار البلاد، ولكن بشار الأسد والسوريين يأملون بالمساعدة لأنهم يعانون من وضع اقتصادي كارثي. وتعكس الاحتجاجات الشعبية في السويداء طموحات الشعب، ولكن بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب الدامية، يتطلع السكان إلى السلام فقط، ومن غير المرجح أن يتم تقويض النظام مرة أخرى من خلال تلك الاحتجاجات. ويبحث السوريون عن الخلاص من تلك المأساة عن طريق الهجرة.

منذ عام 2011، غادر ثمانية ملايين سوري البلاد، ولا يزال هناك الكثير من السوريين ممن يرغبون بالهجرة لعدم وجود أي بوادر جيدة لتحسين ظروف المعيشة، بل على العكس تماماً. فالنزاع مجمد فقط وليس منتهي، لذا هناك قلق كبير بشأن استئناف القتال وخاصة في المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام. ومن ناحية أخرى، يقوم النظام السوري بتنفيذ استراتيجية للتطهير السياسي الذي يعتبره أمراً أساسياً لبقائه على السلطة.

كانت الانتفاضة في عام 2011 قوية لأن الأغلبية العربية السنية بلغت 65% من السكان مقارنةً بنسبة 50% في عام 1980 بسبب التوزع الديمغرافي الكبير لهم على حساب الأقليات الدينية الأخرى كالعلويين والمسيحيين والدروز والإسماعيليين وغيرهم. وتراجعت نسبة الأقليات من 35% إلى 20%، مما أدى إلى انخفاض في الاحتياط العسكري العلوي.

أما المجتمع الكردي فقد ظل مستقراً خلال هذه الفترة. وبين العرب السنة، انخفضت حصة العلمانيين لصالح الإسلاميين، الذين هم أكثر نتاجاً، وهو ما يفسر الدعم الذي تمكنت داعش وجبهة النصرة من إيجاده في جزء من السوريين الذين تحولوا إلى الأيديولوجية الإسلامية. وفي الحقيقة أن ثمانية ملايين سوري، ثلاثة أرباعهم من العرب السنة، الذين غادروا سوريا، تعزز نفوذ الموالين. وهذا أيضاً أحد الأسباب التي ستجعل الشمال الغربي تحت السيطرة التركية لأن الأربعة ملايين من العرب السنة والتركمان المؤيدين للمعارضة والإسلاميين سيشكلون تهديداً لاستقرار النظام. ويحلم بشار الأسد بطردهم إلى تركيا، لكن أردوغان يعارض ذلك بشدة. وأخيراً، يشكل اللاجئون السوريون مورداً للنظام، وذلك بفضل الأموال التي يحولونها لمساعدة أسرهم على البقاء. وتشير التقديرات إلى أن مليون سوري في أوروبا يرسلون ما بين 2 إلى 3 مليارات يورو إلى سوريا كل عام: وهذا هو مصدر الدخل الرئيسي للبلاد.

بعد 13 عاماً من الصراع، النشط أو المجمد، يتطلع السوريون إلى السلام والحياة الكريمة. ومن المؤسف أن الشروط اللازمة لتحقيق ذلك غير متوافرة، لا داخلياً ولا خارجياً. ودخل العالم في مواجهة بين الغرب والكتلة الأوراسية الجديدة التي تهيمن عليها روسيا والصين وإيران، كما حدث أثناء الحرب الباردة. وتقع سوريا على محور الأزمات هذا بين الكتلتين، وتشكل مسرحاً للمواجهة العسكرية بالوكالة. إن الفقر الذي يسود البلاد يوفر للمتحاربين آلاف المقاتلين، وهم شباب بلا عمل ولا أمل، تمثل لهم الحرب دخلاً وفرصة للارتقاء الاجتماعي. إن رجال الأعمال وأمراء الحرب غير القادرين على إعادة التدريب على الأنشطة الرسمية، لديهم مصلحة في الحفاظ على صراع دائم، مصدر ثروتهم وقوتهم. وتنضم سوريا إلى مجموعة الدول الفاشلة التي تعاني من عدم الاستقرار المستمر

فابريس بالانش

https://npasyria.com/182409/